التعليم إلهامٌ لا معلومات فحسب..

Photo by Annie Spratt on Unsplash

لا أحد يهتم كم من العلم لديك إلى أن يعرف كمَّ الاهتمام الذي تبديه.

ثيودور رزفيلت

هذا تذكير مهمٌّ بأنَّ التعليم ماهو إلا بناء علاقة وطيدة مع طلابك.
في عالمنا اليوم، حيث المعلومة تلبيك بنقرة إصبع، نحن لا نحتاج أن نرتاد المدارس لنتعلم الحقائق ونكتشف، فبحث سريع في جوجل ونظرة على ويكيبيديا أو حتى سؤال على تطبيق “Siri” من شأنه أن يمنحك العديد من الأجوبة لأسئلة محددة.

إذًا لماذا نرتاد المدارس؟ ما دور المعلمين؟

  • إن التعليم حقًّا هو إيحاء وإلهام وليس معلومات فحسب.
  • إن التعليم المؤثر يتعلق بـ( لماذا وكيف) لا بـ (ماذا).
  • يجب أن يكون الهدف هو قدح مخيلة كل طالب حتى تعلق الصّنارة في عقولهم وقلوبهم، فيشعرون بالحاجة لتعلُّم المادة، البقية ستكون سهلة لأن الطَّالب حينها هو من يقود عملية التّعلُّم.
  • مهمتي كمعلّم هي أن أطرح أسئلة تستفز عقولهم، وأن أساعد الطلاب في خلق طريق لإيجاد الأجوبة. إذا ما كانوا متحفزين لإيجاد الطريق فإنهم سيحفرونه بأنفسهم.
  • أمَّا إذا توجب علي إشهار منجل ذهني لكشف الطريق، فهذا يعني أنّي لم أقم بعملي.

كيف تُحفِّز الطلاب؟

1)ستكون إثارةُ دافعيةِ الطلاب أسهل بكثير إذا ما أدركوا اهتمامك بهم شخصيًّا. فيما يخصُّ هذه النقطة لديّ ذكريات عن مراحل دراستي. ففي الصّفوف التي تحتوي أعدادًا كبيرةً من الطلبة في الكلية حيث كان الهدف وضع كل طالب على سلم الدرجات، عادةً ما كنتُ أقدم في مثل هذه الصفوف أقلَّ بكثير مما أستطيع. كنت أشعر كأنني مسنَّنٌ في آلة لأنّه لم يكن أحد يأبه بتعلُّمي. على عكس ذلك في الصُّفوف النقاشية الصَّغيرة كنتُ في أوج حماسي. فقد كان يعني لي الكثير وجود “بروفيسور” ينظر في عيني ويجيب على تعليقاتي وأسئلتي. في أوضاع كهذه كنت أدفع نفسي للتَّعلم، لا داعي لأن يقوم أحدهم بدفعي. لم يكن مفاجئًا أني أكملتُ تعليمي في المجال الذي قضيت فيه وقتي ضمن صفوف صغيرة مع معلم متفاعل تمامًا مع طلابه.

2) من المهم أيضًا عدم بناء افتراضات حول ما يعرفه الطُّلاب سابقًا، فإذا قمتَ بذلك فإنّك ستخسر أولئك الطلاب الذين لا يملكون المهارات التأسيسة الضرورية. أحد أساتذتي المفضلين في مدرسة التخرج علّمني أنَّه يجب عليك التعليم بالطّريقة ذاتها بغض النظر إذا ما كان عمر الطالب خمسة أعوام أو حتى خمسة وعشرون عامًا…
فلتنطلق من البداية فتكمل البناء على أسسٍ قويّةٍ وصحيحة، وتمضي قُدمًا مع كل طالب قدر المستطاع.

على سبيل المثال: فلنقل أنَّك تقوم بتعليمهم كيف تبقى الطائرات محلّقة.

يمكنك البدء بصناعة طائرات ورقية، والتي بمقدور طفل بعمر خمس سنوات صنعها. تطلب من التلاميذ صناعة أشكال مختلفة من الطائرات ليروا أي تصميم سيستمر لمسافة أبعد في الطيران. كلما كبروا وازداد نضجهم كلما استطعت أن تبحر أعمق معهم في هذا الاستكشاف، لتقودهم تدريجيًّا إلى المختبر حيث يوجد مجرى هوائي لقياس عوامل متغيرة معينة تشمل القوى؛ الزوايا، والمقاومة. بانطلاقك من البداية، فأنت تتطور من أساس ثابت حيث يمكن لكلِّ طالب أن يستمر بالبناء في المستقبل.
بغير ذلك لابد أنهم سيعانون من ثغرات في فهمهم والتي من شأنها بكل تأكيد أن تؤدي إلى عدم قدرتهم على تطبيق معارفهم ومهاراتهم فيما بعد.

3) الرَّبط بحياة الطّلاب وجعل المادة متّصلة بها بشكل مباشر. بغير ذلك سيبدو المحتوى التعليمي كقطعة من لغز غير متصلة ببقية ملامح نمو الطفل ومعرفته بكيفية عمل الكون. الطّالب الذي لا يدرك مدى اتصال المادة بالعالم وبحياته لديه مشكلة في تعلُّمها ولابدّ أنه سيتجاهلها ما إن ينتهي الدرس.
ليس من الصعب تطبيق ذلك؛ إذا كنت تعّلم الفيزياء فيمكنك الربط بالبيسبول أو الهوكي. إذا ما كنت تدرّس التاريخ فيمكنك ربطه بالشخصيات المعاصرة والأحداث الجارية. وعند تعليم الكيمياء فيمكنك ربطها بالطعام الذي نتناوله. أما إذا كنتَ تعلّمهم ريادة الأعمال فبإمكانك ربط المادة بالشركات المحلية والمؤسسين.

وفيما إذا كنتَ تقوم بتعليم الموسيقى يمكنك ربطها بالأغاني المشهورة .. وإلى ما هنالك. في الواقع، لا أعلم لِمَ لا نقوم بذلك أكثر.
أنا أؤمن أنّه إذا ما كان الطّفل لا يهتم إلا بالبيسبول أو الصَّيد، فهناك العديد من الطُّرق لبناء منهج متكامل حول كلٍّ من هذه المواضيع؛ بما في ذلك التّاريخ والفيزياء؛ الكتابة والفن.

4) أخيرًا لا تخبر الطُّلاب أبدًا بما يجب عليهم فعله ليحصلوا على درجة “A”.

إذا ما فعلتَ ذلك فإنّهم بكلِّ تأكيد سيبذلون أقلَّ جهدٍ ليحصلوا على الدرجة التي يريدونها. عوضًا عن ذلك فإنّي أخبر طلابي “إيّاكم أن تضيّعوا الفرصة بأن تكونوا رائعين.” لقد تعهّدتُ بأن أمنح أفضل ما لدي في كلِّ صفٍّ،وبالمقابل فإنِّي أنتظر منهم الأمر ذاته.
كما أنّني أخبرهم أيضًا بأنه لامشكلة لدي في منح كلِّ طالبٍ منهم درجة “A”، ولكن المعيار للوصول إلى هذه الدّرجة عالٍ.
مع هذا التشجيع ما وجدتُه من نتائج الطلاب كان أكثر بكثير مما تخيلوا أنّهم قادرون على تقديمه.
لقد اعتنقوا فكرة كونهم رائعين بحماسةٍ، ورفعوا المعيار بشكلٍ متكرِّرٍ كلَّما تقدّم الفصل. كنتُ في غاية الحبور لأن تلك الرسالة ظلّت عالقةً في ذهنِهم.

يبدو الأمر وكأن الطُّلاب ينتظرون هذه التعليمات،فهم بشوقٍ لمنحهم الإذن لبذل قصارى جهدهم ليذهبوا أبعد من الحدود مظهرين تميُّزهم وتألقهم.

الأمر سهلٌ بشكل نسبيّ فيما يخصّ توافق التوقّعات إذا عرفتَ تمامًا ما ستجنيه في المقابل. لكن أشياء مذهلة يمكنها أن تحدث عندما ترفع الغطاء. كزجاجة الصّودا التي قام أحدهم برجِّها، فالأشخاص الذين ينسفون الحدود يحصدون نتائج مُلفِتة في الصّف بل وأبعد من ذلك.
الأمر عائد للمعلّم أن يقدَح الشَّرارة ويراقب ما يحدث.
كما قال “ويليام بتلر يتس“:

ليس التّعليم مسألة ملء وعاء، إنما هو إذكاء شعلة

ويليام بتلر يتس

 

المصدر: موقع المحطة