في الشَّام

في الشَّام

أينما مشيتَ صادفك التاريخ مدّ كفَّه وصافحك ..

هُنا -ولا تكون الشّام إلا هُنا-

إذا ما أردت أن تضرب موعداً مع حبيبتكَ.. احتجت أن تدقّ أبواب القديسين ليخبئوكما في حواريهم ويعمّدوكَما بماء الورد المنبثق من نافورة معمَّرة..

أو ربما احتجت أن تهزَّ كتف بردى ليفسح لكما حيزاً من البرّ مكلّّلاًً بالسّرو والحور..

بينما قاسيون خلفكما يهدهد الليل.. يوقد على كاهله شمعتين باسمكما ويرتّل كناسكٍ قصائده آياتٍ بيّناتٍ..

“لأجل هذا العشق فلتخبُ هنيهة هذي الحروب.. يا الله.”

ثمَّ فلتتهيّء لينِزّ الكوثرُ من مسامكَ

ويصير جسدُكَ جنةً صغرى..

…..

في الشّام يكفي أن تركب “تاكسي” لتبدأ تقلّب سير الأولين وتنفض الغبار عن أسماءٍ معتّقةٍ في حنجرة الزمان بدءًا بالأمويين مروراً بالبرَامِكة ولن تنتهي -يقيناً- عند العباسيين …

أنت بحاجةٍ فقط أن تكون متيقِّظًا جدًّا بينما تلقّن السّائق أسماء الشوارع لتصل إلى غايتك.. متيقِّظًا لدرجة ألَّا تنسى أن تعرِّج على وجع الأنبياء في صحن الأمويّ..
يا يحيى أخذتَ الكتاب بقوّةٍ حتى متَّ على نصل حق..

فَاتلُ سلامَك -هاهنا- كاملًا غير منقوص:
” سلامٌ عليه يوم ولد و يوم يموت و يوم يُبعث حيّاً ” …

-كنْ متيقظاً تماماً وتيقّن ألّا تمر بمقام “الست ” دون أن تسلّم على جدّها وآلِه.. وألّا تجتاز قبّة محيّ الدّين بن عربي دون أن تبرهن له أنّك تعي تماماً أن
” كل شوقٍ يسكن باللّقاء
لا يعوَّل عليه ..”

وتابع بصحوتِك ذاتِها وتذكّر أن تيمّم وجهك شطر الأيوبيّ صلاح.. ربِّت على رخام وحدتِه ثمّ امضِ حيث يأخذك وحيُك..

ستصلِّي لتشيح جهنم -الحرب- وجهها عنك قليلاً ريثما تتمّ حجّك..

لكنها لن تفعل
ستمرُّ بكَ أو تمرُّ أنت بها.. لا فرق..
المهم أنّك ستراها جليّةً في وجه أرملةٍ تستظل بحصان “صلاح” على قارعة الحميدية.. تمنحك نظرةً عابرة ثم تتابع جحيمها..

بينما أنتَ تتابع سعيَك..

وتأكد أنه سيظلُّ يتبعك الصّدى مستعيرًا صوت ياقوت الحموي:

“ما وُصفت الجنّة بشيء، إلا وفي دمشق مثله” …

ستهزُّ رأسك بأسىً.. وتحاول ألَّا تقارن.

…….

ثمّ اعبر باب الياسمين لتصل فردوسك الأعلى ..

وهُنا -ولا تكون دمشق إلا هُنا- يمدُّ لك الصَّبا يدًا ليعبر بك نحو الوصول حيث لا يبلغ إلا كلُّ عاشقٍ عرف أنّ السّبيل الوحيد للنور لا أن تحترق بل أنْ تستحيل شمسًا…

وينبّهك ها هُنا -ولا يكون ال “هُنا” إلا شآم- أيّنما أسرى بكَ قلبُك احتجت بوصلةً على علاقةٍ وطيدةٍ جدًّا بالتاريخ ذاك الذي سيصادفك في أيّ شارعٍ يعبرك قبل أن تعبره..

ليمدّ -أيّ التاريخ- كفَّه ويصافحك أو ربما يصفعكَ

فتسقط شهيداً!!