البراغماتية في التربية: مبادئ وتطبيقات (الجزء الأول)

مقال لِ: Chris Drew, PhD

ترجمة: سماح العيسى

 

البراغماتية في التربية هي اتجاه للتعلم والتعليم يركّز على الحفاظ على الفكر العملي في كل الأمور. يعتبر جون ديوي أشهر الباحثين في هذه النظرية.

تعتمد البراغماتية على أربعة مبادئ: المنفعة، والاهتمام، والتجربة، والدمج.

يستخدم المعلمون البراجماتيون في صفوفهم استراتيجيات التعلم القائم على المشاريع، ويركزون على الموضوعات المرتبطة بحياة الطلاب وواقعهم.

جون ديوي Wikimedia
  • نقاط مهمة للتذكير:

1. تتمحور البراجماتية حول القيام بأمور عملية مثمرة.

2. البراجماتية في التعليم تشتمل على دروس عملية ذات قيمة واقعية مرتبطة بحياة المتعلمين.

3. من أهم أسماء الفلاسفة المرتبطة بالبراجماتية جون ديوي و تشارلز بيرس.

4. تشتمل الصفوف التي تتبنى البراجماتية في التعليم على التعليم القائم على المشروعات، التعلم باللعب، التجارب، والتعلم التجريبي.

5. قد يكون ما يسمى بالتعلم المثالي هو النقيض للتعلم البراجماتي. حيث يقوم المعلمون المثاليون بتعليم أفكار مجردة ليست ذات فائدة إذا ما تعلق الأمر بالحياة الواقعية. إن كنت من الأشخاص الذين يفضلون تعلم أشياء مرتبطة بالواقع فقد تكون شخصًا براجماتيًّا.

6. “البراجماتية” كلمة ذات جذور يونانية، وهي تركيب من مفردتي “الفعل” و “الممارسة”.

Pixabay
  • مبادئ البراجماتية في التعليم:

 

1. مبدأ المنفعة:

كل ما يدرسه الطلاب يجب أن يقدم لهم “المنفعة”. أي أن كل شيء لا بد أن يكون مفيدًا للطالب. فالطلاب لا يهتمون بالأفكار النظرية المجردة التي لن يطبّقوها أبدًا في حياتهم خارج أسوار المدرسة. عوضًا عن ذلك فإن الطالب يرغب بتعلم الأشياء المرتبطة بواقعه. إن التركيز على ما هو واقعي ومفيد من شأنه أن يجعل الطلاب أكثر تفاعلًا وتعطُّشًا للتعلُّم.

 

2. مبدأ الاهتمام:

لا بد أن يتضمن محتوى المنهج اهتمامات الطلاب كذلك. أثبت ديوي أن اهتمامات الطلاب يمكن تلخيصها في أربع نقاط: المحادثة، الاستقصاء، البناء، والتعبير الإبداعي.

لذلك فإن على المعلمين إعداد دروس تتضمن الحوار والمحادثة بين الطلاب، وتقصّي الحقائق من خلال التجريب، وصنع الأشياء، وإتاحة المجال للإبداع.

3. مبدأ الخبرة:

إن للتجربة قيمة عليا لدى البراجماتيين تفوق كل الأمور الأخرى. فقد يقضي الطلاب اليوم بأكمله في تعلم المجردات، لكن ما لم يتم اختبار تلك الأشياء، فإنهم لن يتعلموها حقًّا. بناءً على ذلك فإن على المعلمين إعداد دروس تعتمد على المشروعات، والخبرات والتجارب التي من شأنها أن تساعد الطلاب على “التعلم بالعمل”.

4. مبدأ الدمج:

إن محتوى المنهج ليس منفصلًا، فالرياضيات والعلوم والفنون الإبداعية ليست ثلاث حصص مختلفة. المعلم البراجماتي يربط محتوى المنهج ببعضه عن طريق عملية نسميها “الدمج”. حيث يظهر المعلم للطلاب ارتباط المفاهيم في المواد المختلفة مع بعضها، ويشجع على الفهم المتكامل للموضوعات التي يتعلمونها.

 

  •  أفكار أساسية لتطبيق البراجماتية في التعليم:

1. الحقائق متغيرة:

يؤمن بعض الناس (كالمثاليين والتجريديين) أن الحقائق غير قابلة للتغيير. الحقيقة هي الحقيقة، على حد تعبيرهم. من جهة أخرى فإن البراجماتيين يؤمنون أن الحقيقة قابلة للتغيير.

أما “الحقيقة الصحيحة” فتُتخَزل بكل ما هو عملي ونافع في أي وقت.

فالبراجماتيون على استعداد دائم لتغيير أفكارهم إذا ما ظهرت معلومات جديدة أو تغيرت الظروف، فالمهم من وجهة نظرهم هو القيام بالعمل وجني الثمار. إذا ما جربوا أمرًا ما، ولم يؤتِ ثماره، فسوف يجربون شيئًا جديدًا. فهم دائمًا تجريبيون، وقابلون لتغيير أفكارهم. هذا يقودنا إلى القول البراجماتي السائد: “الحقيقة تصوغها النتائج” (Adeleye, 2017, p. 2).

مثال:

في التعليم، لن يطلب المعلمون البراجماتيون من التلاميذ أن يجدوا الإجابة الصحيحة. فلا وجود لإجابة صحيحة في الأهداف التي يحتاجون الوصول إليها.

عوضًا عن ذلك، سيطلب المعلم من تلاميذه القيام بالتجربة، والرجوع إليه بشرح وافٍ لأي شيء قاموا به في تجاربهم. وسيكون الأمر عائدًا للطلاب في تحديد الحقائق التي ستمنحهم النتائج التي يحتاجونها.

فقد يصل طالبان في الصف ذاته إلى طريقتين مختلفتين للقيام بالتجربة. كلتا الطريقتين صحيحة إذا ما أدت الغرض. ذلك لإيمان البراجماتيين بعدم وجود طريقة واحدة صحيحة للقيام بالأشياء، فأي طريقة تؤدي إلى النتائج المرجوّة هي طريقة صحيحة.

 

2. البراجماتيون “نفعيون”:

“النفعي” هو شخص يقدّس كل ما هو مفيد. فإن لم تكن المعرفة مفيدة في الحياة الواقعية، فلن تكون أبدًا موضع اهتمام الشخص البراجماتي. بينما إذا ما كانت المعرفة ذات قيمة عملية واقعية، فإنها ستكون محط اهتمام كبيرٍ من البرجماتيين.

مثال:

يهتم المعلمون البراجماتيون بتقديم كل ما هو واقعي ومرتبط بالحياة لطلابهم. ففي تعليم الرياضيات مثلًا سيركز المعلم على تعليم الطرح والجمع من خلال ربطهما بأمثلة حيَّة مثل التسوق في السوبر ماركت أو حتى تسجيل الأهداف في لعبة كرة القدم.

 

3. التجربة هي الأساس:

كل ما يؤمن به البراجماتيون مبني على تجاربهم. فالبراجماتي شخص مبادِر ومُجَرِّب، فالتجربة هي الطريقة الوحيدة التي يفهم البراجماتيون العالم من خلالها.

لا بد من تعلم شيء جديد في كل تجربة، وهذا باختصار يوضح لك طريقة فهمهم للعالم.

إذ لا يمكنك أبدًا أن تتأكد من صحة أي شيء دون التجربة والخبرة.

مثال:

يركز المعلم البراجماتي على تفاعل الطلاب، لن يتعلموا الكثير من الأمور النظرية، بل سيتعلمون النظرية، ثم يقضون معظم وقت الحصة في تطبيقها على حالات عملية. الكثير من التجارب والأنشطة العملية والمشروعات هذا كله في الصف البراجماتي. فشعار المعلم البراجماتي: “التعلم بالعمل”.

4. الفكرة والعمل مرتبطان معًا:

إذا قضيت حياتك جالسًا تفكِّر بأمر ما دون عمل، فإن كل أفكارك دون معنى. إنَّ الأفكار المطبقة في الحياة الواقعية وفي ظل ظروف عملية هي وحدها التي يمكن الاهتمام لأمرها.

بالإضافة إلى أن أفعالك يجب أن تؤكِّد أفكارك. إذا كنت تفكر بأمر ما، ضعه تحت مجهر التجربة، ثم أعد التفكير، واختبره بتجربة مختلفة.

فأنت تغير أفكارك في كل مرة تقوم بها بعمل ما..

5. القليل أفضل من اللاشيء:

يثمِّن البراجماتيون النتائج، لا يهمهم إن كانت كاملة، لكن اهتمامهم ينصب بصورة أكبر على فاعليتها. يكفيهم أن تكون الفكرة مرتبطة بالحياة الواقعية، ليكونوا سعداء.

في التعليم، هذا يعني أن المعلم البراجماتي لن يتوقع من طلابه أن يتمتعوا بالكمال فيما يتعلق بالقواعد والإملاء، فالبراجماتيون لا يتوقعون الكمال في أي مجال من مجالات الحياة. عوضًا عن ذلك فإن سعادتهم تكمن في مقدرة الطالب على إظهار معرفته، وكيفية تطبيقه لها في الواقع.

أحيانًا عندما يتوجب علي أن أقرر نجاح أحد طلابي في الكلية، فإنني أفكر “هل يمتلك هذا الطالب المعرفة العملية لمحتوى المادة؟”. فأنا لن أقف في وجه نجاحهم بسب أخطائهم الإملائية المقززة، أو لتخلُّفهم عن حضور العديد من الدروس. فهذه ليست أهم مشاغلي العملية، في حالة كهذه أكون عمليًّا، هل لدى الطالب المعرفة؟ إذا كان الجواب نعم، إذن فليجتز المادة.

مثال:

في الواقع نجد تجسيد البراجماتية غالبًا في السياسة. لنقل أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يرغب ببناء أوتستراد من سياتِل إلى لوس أنجلوس. هذا ما يرغب به، لكن مجلس الشيوخ رفض:

“لا! الأوتستراد سيكون من سياتِل إلى بورتلاند فقط!”

المثالي سيقول “ليس هذا ما أردتُ، إذن لن نبني الأوتستراد.”

بينما البراجماتي قد يقول: “حسنًا، هذا أفضل من لا شيء، فلننجز الأمر.” على الأقل سيحصل سكان بورتلاند وسياتِل على شيء ما.

6. الإنسان كائن اجتماعي:

بسبب إيمان البراجماتيين بأهمية الخبرة، فإنهم يعلُون من شأن التفاعل الاجتماعي. فالتفاعل الاجتماعي، بالنهاية، إحدى الخبرات الأساسية التي يمر بها الجميع في حياتهم اليومية.

يؤمن جون ديوي، الباحث الذي طبق البراجماتية في التربية من خلال كتاباته، أنّ من واجب التربية مساعدة الصغار على تعلم تحسين تفاعلاتهم الاجتماعية. توضّح أفكار ديوي أن التفاعل الاجتماعي يعيننا على أن نتلعم كيف نتعاون، ونناقش، ونتعايش.

تُعدُّ هذه المهارات جوهرية بالنسبة للبراجماتيين الذي يقدّرون إنجاز الأعمال. فحصاد النتائج قد يحتاج في بعض الأحيان إلى تفاعل اجتماعي ومرونة بالتعامل.

Pixabay

 

يتبع…

رابط المقال الأصلي: اضغط هنا.