مقال لِ: Jacob Wilkins
ترجمة: سماح العيسى
أفلاطون هو أحد أشهر الفلاسفة في التاريخ. ولِد في أثينا عام 427 قبل الميلاد، وقد كان تلميذًا لسقراط، و معلمًا لأرسطو كذلك.
يعد كتاب الجمهورية تحفة أفلاطون، وهو عبارة عن حوار مطوّل ومقسّم إلى عشرة أجزاء أو كتب منفصلة . يتمّ من خلالها استعراض نقاشات سقراط مع العديد من الناس. وقد اشتملت هذه المناقشات على حوارات عن العدالة والسياسة والجمال والروح وعن أهمية التنوير.
“حكاية الكهف” هي أشهر جزئية من كتاب الجمهورية.
والتي وإن كانت تبدو صعبة التخيل، إلا أن هناك الكثير من الحكم والأفكار القيّمة المخبأة في هذه القصة الرمزية المذهلة.
تقع حكاية الكهف في الجزء السابع من كتاب الجمهورية. يطلب منا أفلاطون في هذه الحكاية أن نتخيل كهفًا تحت الأرض ينتهي بفتحة تؤدي إلى الضوء. يوجد في الكهف أشخاص مقيدون منذ الطفولة داخله، وقد تم وضعهم بحيث لايمكنهم رؤية النور ولا يمكن أن تصلهم أشعته، وخلفهم مباشرةً يوجد حائط وطيء تتموضع وراءه جذوة نار. وعلى طول الجدار يقف رجال يحملون تماثيل ويرفعونها أعلى الحائط، تماثيل متنوعة لحيوانات وأشياء أخرى. لا يمكن للأشخاص المقيدين رؤية الأشياء التي خلفهم. كل ما يستطيعون رؤيته هو ظلالهم، وظلال التماثيل المنعكسة على الحائط المواجه لهم.
يمثّل السجناء غالبية الجنس البشري. أولئك الذين لا يبصرون إلا ظل الحقيقة ولا يسمعون إلا صدى الحق. فمنظورهم للعالم مغلف بالعاطفة والأحكام المسبقة.
لكن لو أن أحد هؤلاء السجناء حاول أن يهرب من ظلام الكهف ويتآلف مع النور، لكان باستطاعته أن يرى الأشياء التي لم تكن بالنسبة له من قبل سوى ظلالًا، ومع ذلك فهو لم يصل إلى جوهر الحقيقة بعد.
بعزيمة أكبر سيخرج السجين من كهفه، ويغمره ضوء الشمس. عندها سيرى العالم بأكمله كما هو حقًّا، عالم يحوي أشياء واضحة، وأخيرًا سيبصر الشمس نفسها، والتي تجسّد مفهوم الخير.
إن الخير هو أعلى وأعظم القيم، كما يرى أفلاطون.
“أوَ تعتقد أن هناك أية فائدة من امتلاك أي شيء إذا لم يكن خيرًا؟ هل من حكمة من امتلاك كل أشكال المعرفة، دون معرفة الخير، دون أن نمتلك القدرة على معرفة ما هو صالح وذو قيمة؟”
عندما يعود السجين السابق إلى الكهف ليحاول تحرير البقية، في تلك اللحظة ستكون عيناه قد فقدت اعتيادها على الظلام. سيبذل جهدًا عظيمًا ليرى الظلال على الجدار.
المعنى الأعمق
يؤمن أفلاطون أن الغاية من التعليم هي مساعدة الناس ليبصروا القيم والحقيقة المجردة، إلى الحد الذي سينقذهم من قضاء حياتهم في عالم من الزيف والتعصب.
هذا النوع من التثقيف مهم للقادة تحديدًا. إذ أن الغشاوة التي تغطي أبصارهم لن تؤثر عليهم هم فحسب، كما أن اعتيادهم حياة الظلمات سيودي ب”المدينة” بأسرها، وهذا أسوأ بمرات من بقاء الفرد العادي غارقًا في جهله.
في المحصلة سكّان الكهف هم الفلاسفة قبل التنوير. وقطعًا إن هذه الحكاية الرمزية تمثل المصاعب التي يواجهها الفلاسفة، فعوضًا عن تقديرهم حق قدرهم، فإن بقية المجتمع (أولئك الذين ما زال النير يحز أرساغهم) لا يصغون للفلاسفة. بل أكثر من ذلك، هم في الحقيقة يرفضون أفكارهم.
ذلك مرتبط بسياق أوسع للجمهورية. في الواقع سقراط الحقيقي (كانعكاس لسقراط في هذه الحكاية) قد تم إعدامه بسبب تعاليم فلسفته، وبشكل محدد بسب “إفساده لعقول الشباب في أثينا وتحديه لواقع المجتمع.”
بهذا المعنى فإن للجمهورية بعد شخصي، فأفلاطون لم يكن يطرح فقط فكرة أهمية التنوير والفلسفة، بل كان يسلط الضوء على موت معلمه وصديقه العظيم.
الخاتمة
إن “حكاية الكهف” حكاية غريبة بكل تأكيد، لكن لا بد من وجود سبب وجيه يجعلنا نستمر بمناقشتها والحديث عنها حتى يومنا هذا.
الحكاية تسلط الضوء على صعوبة إيجاد الحقيقة و كشفها للآخرين.
فبعكس حقبة ما بعد الحداثة والتي تؤكد باستمرار على وجهة النظر والبنية الاجتماعية-الثقافية، قد آمن أفلاطون بأن الحقيقة تستحق جهد البحث عنها، حتى لو كان الطريق إليها وإلى التنوير وعر ومحفوف بالمصاعب.
والمشكله الاعظم لايزال الكثير من مجتمعاتنا تعدم سقراط الذي في داخلنا والكثير من الاشخاص يسعون لمخيم العتم في عقولنا …
هناك جمال واضح في نص الترجمة جمع ملكة الكاتبة في سبك الكلمات
وإخراجها بكلمات ونصوص مشوقة تسحر القارئ، ليبقى تحت تأثير الشوق للانتهاء
من قراءة النص كاملا، خاصة وقد غلف النص بأسلوب الكاتبة ذي الأسلوب السهل الممتنع، ليبحر بنا إلى فضاءات أكبر مما كتب، لنجد أنفسنا نسقط ما نقرأه على واقعنا
والحالة الثقافية التي يعيشها القارئ العربي.
شكرًا للكاتبة حيث استطاعت ببراعة السيطرة على عقلنا الباطني، من أجل استعادة
العديد من الأسئلة المتعلقة بأزمة الثقافة والمضمون لدينا.