حزنٌ بأسماء جديدة..

أنت لست حزينًا، لكن ينقصك بعض الحياة فحسب.. أن تنزع عنك وجعك لوهلة.
أن تشتري لنفسك فنجان قهوة أو سيجارة.. أن تفتح الراديو وتستمع لأم كلثوم مثلًا..
لكنهم هنا يمنعون التدخين في الأماكن العامة، ولا يبثون أم كلثوم على موجات إذاعاتهم، وأنت لا تحب أن تبحث عن أغنية بعينها.. تحب أن تفاجئك الكلمات وكأن أحدهم فكر بك وعرف ذوقك الخاص.

أنت لست حزينًا، لكنك منجرف تمامًا في التيار.. مأخوذ حتى من نفسك.. لا تملك رفاهية الاختيار أو القرار ولا رفاهية التذمر أو حتى الندم..
محاصر بأشياء كثيرة لا تشبهك، وتستقبل يوميًا عشرات الابتسامات الصفراء التي تردها لأصحابها على عجل..
محاط بأسماء كثيرة، تتكاسل ذاكرتك عن تخزينها، فتنساها وتستبدلها بألقاب فارغة عند الحاجة.

لا لستَ حزينًا، لكنّ المنفى غيّركَ، ونحت منك وجهًا لا يعرف الاسترخاء.. هذه الخطوط التي تنبت على جبينك صارت مؤخرًا تنخزك.. وجهك يؤلمك يا صاحبي توجعه ملامحك المشدودة.

لا لستَ حزينًا، لكنك باردٌ ومُستَهلَكٌ ومخذول..
والأمر ليس شخصيًّا.. الأمر أشبه بوباء.. فالكل حولك يشبهك
والخذلان يمشي بيننا يضرب كتفه بأكتافنا، لكننا نتجاهله لأننا نخافه.

في الصباح تبدو “أنتَ” أكثر من أي وقت آخر.. مفعمًا بنفسك.. يكاد حلمك ينبت في عينيك.. يانعًا ودافئًا.
لكن لا تلبث عجلة النهار أن تطحنك.. فتعود إلى جُحركَ كومة أشلاء.. تداري بؤسك خلف البدلة الأنيقة والعطر المسموم.
تتكوم تحت غطاء الليل.. تتزاحم أفكارك في رأسك سوداء وصاخبة..
تجادل نفسك في صمت “لا لستُ حزين..” فيقهقه خذلانك قربك.. يضحك في وجهك بلا ذوق.. يضحك حتى ينهكه الضحك، فيتمدد ويشاركك وسادتك.