محاولة للبحث في البعد النفسي لدافع المرأة للإنجاز
سماح زهير العيسى
“حتى يستحق النجاح أن يكنَّى بذلك، لا بدَّ من الاعتراف به ومنحه جزاءه.”
(سارتون، 1987)
بهذا القول المختصر يمكننا الإجابة عن سؤال ما زال يتكرَّر حتى يومنا هذا “لماذا يتصدّر الرجل قوائم الإنجازات في التاريخ؟”
المرأة التي لطالما كان عليها أن تواجه ذاتها وبنات جنسها قبل أن تواجه ذكور المجتمع؛ لتصل نحو أحلامها.
يقف علماء النفس في حيرة من أمرهم عندما يبدأ الحديث عن إنجازات المرأة ودوافعها، لا سيما دافع الإنجاز المسؤول عن متعة الوصول، وبهجة العمل من أجل تحقيق الأهداف.
المرأة ودافعية الإنجاز:
تُعرّف دافعية الإنجاز على أنها رغبة الفرد في تحقيق النجاح والتفوُّق، وقد يشمل ذلك المنافسة.
من خلال العديد من البحوث التي تناولت قياس الدافعية عند كلٍّ من الذكور والإناث، كانت النتائج تتسمُّ بعدم الثبات إذا ما تعلق الأمر بالنساء؛ مما أدى إلى استبعاد المرأة من عديد من البحوث اللاحقة حول دافعية الإنجاز.
الرجل أكثر طموحًا من المرأة!
يطرح الدكتور حسن علي حسن تساؤلًا مهمًّا في كتابه سيكولوجية الإنجاز: “إذا ما كانت الفروق المنمطة بين الجنسين تبدو غير واقعية، فلماذا تبدو واضحة؟ بمعنى إذا لم يكن الرجل أكثر طموحًا من المرأة –مثلًا- فلماذا يبدو أكثر إدمانًا للتفكير، ولماذا يتبوأ مراكز القيادة السياسية في العالم؟” (حسن، 1998)
ونجد أنَّ الكاتب يوضِّح بشكل مباشر الإجابة عن هذا التساؤل من خلال:
1. إدراكنا الانتقائي للآخرين: إننا نلاحظ ما نتوقعه، ونكون قادرين على إدراكه بشكل أكبر، بينما إذا ما كانت النتائج مخالفة لتوقعاتنا فإنها تغدو أقل قابلية للملاحظة، وبالتالي يتم تجاهلها في أغلب الأحيان.
2. عدم تكافؤ الفرص المهنية التي يتيحها المجتمع لتوظيف قدرات الأفراد من كل الجنسين.
وهنا يمكننا القول أنّ الأمر، وإن بدا قد تغير تغيرًا طفيفًا ظاهريًّا في معظم المجتمعات، إلا أنه لا يزال في كُنهه ساريًّا، وبأشكال مختلفة منها تنميط عمل المرأة، وحصر قدراتها في إطارات معينة، وإقصاؤها بشكل ممنهج عن مهنٍ ومناصب بعينها.
إنجاز المرأة والتنشئة الاجتماعية:
إن التنشئة الاجتماعية قد دمرت المرأة، وإنّ تنميط الدور الجنسي يمنع المرأة من تحقيق النجاح المهني. (Haber, 1978)
الأمر هُنا قد يبدو ذاتيًّا،أو شأنًا أنثويًّا بالنظر إلى المعركة الأولى التي يتوجّب على المرأة أن تخوضها. إذ أن المرأة الكائن الذي يسعى إلى تحقيق ذاته تجد نفسها محاصرةً بالعديد من القيود الذاتية التي رسَّخها المجتمع في نفس المرأة، فلم تعد قادرة على تجاوزها أو التحرر منها.
وإننا إذا أمعنا النظر في مجتمعاتنا لوجدنا أن النساء اللواتي خرجن من زنزانة الذات المروَّضة، لا بدَّ أن يجدن أنفسهن فريسة لبنات جنسهن اللواتي يرين في حرية الأخريات تجاوزًا واضحًا لقواعد المجتمع ومحظوراته، ولا شك في أنهن سوف يقفن في خط الهجوم الأول ضد أية صيحة من صيحات الحرية التي قد تطلقها النساء الخارجات عن دين “القبيلة” والمناديات بحقوق ما أنزل العُرف بها من سلطان.
المرأة عدو المرأة، والرجل ينتصر:
في دراسة أجريت في أمريكا عام 1967، طُلِب من المفحوصين الحكم على سلسة من البحوث المهنية، وقد عُرضت البحوث المتطابقة باعتبارها مؤلفة من قبل باحثين سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، وذلك بالتنويع في المؤلفين (مثل جون سمبسون أو جوان سمبسون)، وقد انتهت النتائج إلى أنه حينما استُخدمت النساء الجامعيات في أمريكا كمحك، فإنّهن قد قيّمن بشكلٍ منخفض إنجازات النساء المؤلفات. (Goldberg, 1971)
السؤال الذي نجد أنفسنا في مواجهته: ما السبب في تقليل المرأة من قيمة أقرانها؟
من خلال الاطلاع على العديد من الدراسات التي حاولت كشف الغموض فيما يتعلق بهذا التناقض في التقييم، فإن الأمر يرجع إلى أصول التنشئة التي تلقتها الأنثى في مجتمعها. فالأنثى تكبر وقد رُسِمت أمامها صورة النموذج الأمثل، والنمط الذي عليها أن تحتذي به، والمُختَزَل بامرأة جميلة، تجيد شؤون البيت، وتتقن الطاعة العمياء.
“فكما تشير باتريك ودوفان أن الفتاة تُثاب على المجاراة والاعتماد والسلبية وعدم التنافس” (حسن، 1998)
تشير إحدى الدراسات إلى أن اتجاه الطلاب ذكورًا وإناثًا نحو مهنٍ أو مناصب معينة يكون أقل تقديرًا، وأقل مهابة وجاذبية عندما تتولاها النساء. (Touhey, 1974)
وهذا من شأنه أن ينمي لدى المرأة دائمًا الإحساس بالخوف من النجاح المهني باعتباره ليس النوع المطلوب والمناسب لها بناءً على الأسس المجتمعية الراسية في لا وعيها، وإنها وإن كابدت للتحرر من هذه الأفكار، فلسوف تجد أن معركتها ليست خارجية 100%، بل إنها تواجه ذاتها في البداية، وستظل تواجهها حتى النهاية، كما ستواجه العدو الأول والأشرس في هذه المعركة ألا وهو المرأة، بعد ذلك يأتي دور الرجل الذي قد لا تكون المعركة معه معركة مواجهة ونضال من أجل التحرر من القيود فحسب، وهذا أهون أنواع المواجهة، ذلك أنه واضح وبيّن. لكن المعركة الأصعب هي المعركة مع الذكور الذين يجدون في الأنثى الساعية للإنجاز، والمدفوعة بالطموح نموذجًا مغريًّا وجاذبًا للأنثى التي يمكن إيقاعها في شر أعمالها.
الخوف من النجاح:
إن ثقافتنا تنمي لدى المرأة دافعًا لتجنُّب النجاح، ويمكن اختصار المسألة كالتالي:
1. إن النجاح في كُنهه يتضمن منافسةً وصراعًا، وهذا تمامًا ما لا تنشأ المرأة عليه في مجتمعاتنا.
2. إن النجاح المهني يعني بالضرورة خوضًا في معارك لا تُحصى، وهذا يعني بالضرورة أيضًا فشل المرأة على الصعيد الشخصي: وذلك لأنها لن تنجح إن لم تجسِّد خصائص العمل في شخصيتها، وهذا يقودنا إلى أنها ستتخلى عن خصائص النجاح للأنثى في المجتمع والتي سبق وأشرنا إليها، والتي تتجلى في الطاعة العمياء والمسالمة التامة.
“ينجم الخوف الأنثوي لا من الخلفيات الذاتية لدى النساء، بل مما استوعبته النساء كجماعة: من التاريخ، والدين، والتربية، والمؤسسات الاجتماعية، والتعاملات الاجتماعية اليومية… لقد تعلمنا الكثير من الوالدين، والأقارب، والمدرسين، والأصدقاء.” (بنكر، 2002)
هل خُلِق النجاح ذكرًا؟
سنصل بعد كل هذه الدراسات والأبحاث التي نعلم يقينًا أن حدودها لا يمكن أن تتسع للبشرية ككل، وأن مجتمع عيناتها يقتصر في أغلب الأحيان على طلاب الجامعات مستثنيًّا المجتمع خارج أسوار الجامعة، كما تشير مارغريت و. مارتن في كتابها علم نفس النساء. النتيجة واضحة للجميع، وبالرغم من عدم إيماننا بأنها تمثل الحقيقة المطلقة، لكننا سنقولها بالفم الملآن:
النساء أقل نجاحًا في المناصب الذكورية.
علينا أن نكون مدركين جيدًا للجانب التاريخي والاجتماعي عندما يتعلق الأمر بالقيادة النسائية، سواء أكانت تلك القيادة سياسية أو إدارية. إن آثار تهميش دور المرأة، والتقليل من قدرتها على النجاح تعدُّ آثارًا متوارثة وراسخة، وليس من السهل تجاوزها.
في الكثير من الأحيان لا تعدو ممارسات “المرأة القائدة” التعسفية عن كونها أفعال انعكاسية، ردود لأفعال غارقة في القدم، لا يمكننا أن ننظر إليها بمنأى عن سبب نشأتها، والمؤثرات التي أدت إلى تطويرها وإنتاجها.
“التوقعات تؤثر على النتائج” (martin)
إن المرأة تخشى النجاح في مجتمعاتنا، ولذلك فهي في الغالب تمثِّل نسبًا أقل للنجاح مقارنةً بالرجال، والأمر أن المجتمع ينظر لها في كل مرة تخوض فيها غمار التنافس على أنها تخسر أنوثتها. في حين أنه إذا ما تعلق الأمر بالرجل فإن ذلك من مآثر الرجولة.
وها نحن نجد أنفسنا في مواجهة حتمية في كل مرة نحاول فيها أن نصنع مجدنا الخاص، مجد المرأة الذي لا ينتقص من أنوثتها، ولا يؤدي إلى وصمها بعار “الاسترجال”. مجد المرأة الذي لا ينقص من مجد الرجل شيئًا، بل إنه يؤازره ويقوِّم إعوجاجه.
ذلك المجد الذي لن يتحقق إلا بالهدم والبناء معًا.
“النساء مشاركاتٌ في عمليتي بناء وهدم الأنثى… بشكلٍ عفويٍّ.” (Benchmarks)
أترك ردك