جرعات مركّزة من الحزن

في الصباح

تلبس الثكلى فجيعتها

كأنها طازجة ..

تجتمع الجارات

حول فنجان الحزن

كل واحدة تحمل نعشا

هكذا تكتمل الجنازة..

….

في حارة أمي

تقطن خمس أرامل

وثلاث ثكالى ..

يفرشن الصباح لأحزانهن

يجتمعن في ظل كرفانة

يقسن عمق جراحهن .. بالنحيب

وغالباً ما يفوز جرح أمي…

….

في حارة أمي المرصوفة بالحصى

تقطن خمس أرامل

ثلاث ثكالى

وعشرات الأيتام

وجار يعاني من تلاشٍ حادٍ بالرجولة..

يمر بأحزانهن كل صباح

ليلعن حظَّه الذي ألقاه وسط كومة الفواجع هذه..

….

في المخيم

تقطن أمي في حيّّ حيوي -رغم حزنه-

يتوسط شارع النرجس

لكن الصحراء تنبت حول كرفانتها.. نضِرة

أمي ..

تنمّق أسماءنا في حنجرتها

كل يوم قبل أن تغفو…

لتنادينا إلى حلمها .. اسمًا اسمًا

فنهرع ظمأى…

…..

في الصباح

يفرد اللاجئون صرر أحلامهم:

“باب حديديّ للكرفانة

ساعة إضافية من الكهرباء…”

يفرد الطفل في زاوية المشهد

حلمه

فتقفز ضحكة أبيه…

….

في الصباح

يفتح المخيم دكاكين الذاكرة

تمر امرأة سوداء كالحزن

لتشتري ظل رَجُلها

بجرتين من دموع…

…..

في الصباح

تمد المدينة البعيدة أصابعها بخوف

تتفقد شهداء الليل..

وتسكب من دمعها بحرين

لتطفيء حرائق الشيطان ..

…..

في الصباح

يمرّ الشهيد على الأحياء في جولة ختامية

يحيّ الأزقة الخاوية

ثم يتمدد متعبًا من العناق!

في المخيم ..

كرسيّ أبي وحيدٌ .. في الزاوية

يصغي لثرثراتنا…

ليلاً

تنمو لمقبضيه أصابع

تربّتْ على حزن أمي ..

للمقابض ذاكرة لا تهرم

فهي تحفظ رائحة الأيدي

التي طالما عانقتها حتى انتحبت مسامها…

….

هذا الحزن الذي نرتديه ..

يطلقون عليه مجازاً مسمى “حياة ”

أمي تسميه .. ابتلاء

أما أخي فاعتبره تفاهة

لذا خلعه -ذات صباح – ببساطة…

وتكوّر على رصيف قريب

يراقب شمس آب

بينما تجفف دماءه…

….

أرملة أخي ترتق هذه “الحياة”

كل ليلة

لترتديها في الصباح

كما ولو أنها لم تبلَ قط…